أوراق_أشعرية 5: عن المباحث العقلية في شرح معاني البرهانية



أوراق_أشعرية 5: عن المباحث العقلية في شرح معاني البرهانية


حصل أن حفّ الدارس المغربي جمال علال البختي (جامعة عبد المالك السعدي، تطوان)، عام 2005م؛ كتاب المباحث العقلية في شرح معاني العقيدة البرهانية لأبي الحسن علي اليفرنيّ (ت. 734هـ/1334م) بملاحظات طورت توصيفات واستنتاجات غير مستفيضين للباحث يوسف أحنانة (2003 [ط. 2 2007م]: تطور المذهب الأشعري بالغرب الإسلامي، ص. 300). ويظهر أنّ ملاحظات واستنتاجات علال البختي المطورة ذات بال وأهمية؛ لكونها خليقة بوضع الدارسين بين يدي نقاشِ متخصص ذي سعة وأفق، يرفع غشاوة بعض الحيثيات التي يثيرها نص متكلمِنا أبي الحسن اليفرني. ولعل أهم استنتاج يطوي لنا كل ما انتهت إليه دراسة البختي قوله: «أعترف منذ البداية أنه (=المباحث العقلية) أفضل وأعمق شرح ألف على برهانية السلالجي» (2005: عثمان السلالجي ومذهبيته، ص. 226، انظر: ص. 233)، وسيؤكد الدارس نفس الخلاصة لاحقا؛ لتكون، ضمن أخرى، دعامته الأساسية في إخراج العمل محققا سنة 2017م بعد استعماله الواسع في تحليل مضامين البرهانية (انظر: 2017: قسم تقديم المباحث العقلية، ج. 1، ص. 140 س. 17-20. 2020: مقدمة تحقيق البرهانية، ص. 70 س. 10-11. قارنه بـ 2005: ص. 232-33. انظر —مثلا— فيما يخص التحليل: صص. 266، 69، 95؛ 329-30، 337-38، 52، 67، 78، 81؛ 407-08، 14، 15، 29، 38، 44؛ 506، 526. وانظر ملاحظة الباحثة إكرام بولعيش في: حضور البرهانية، ص. 106. ولا تعدو أن تكون مقالة الدارسة أمينة مزيغة إعادة شبه كاملة لمنوغرافية البختي [راجع: الغنية، ع. 7-8 (2018): 242-44]).

مازلت أذكر احتفاء علماء وطلاب بالمباحث عند خروجه سنة 2017م، وذلك لما رأوا فيه من سعة وكفاية علمية جعلت بسط البرهانية في ثلاثة مجلدات، بصورة دقيقة للغاية، شيئا ذا بال. وإني، والحال هذه، لا أرى حرجا في حبور الأشعريين المحدثين وهم يتلقفون خبر صدور أحد أسفار المذهب الموسعة. ولئن وُضعنَا هذه الرؤية جانبا، أو لنقل في موضعها!، ورمنا النظر إلى الكتاب من زاوية أخرى مباينة لها فلنا، عندئذ، تحبير أسطر وملاحظاتٍ أخرى كانت قد عنّ لي بعضها، منذ صدور العمل والاطلاع عليه بنحو شبه اعتيادي، من مجموع ملاحظات تاريخية وفيلولوجية وبيبليوغرامية، كانت، لحسن الطالع لربما، محل نقاشات مطولة جمعتني بزملاء ودارسين. وهي، في كل ذلك، تستبعد ذاك الاحتفاء المذهبي الذي ارتسم على وجوه كثير من الطلاب والعلماء الأشعريين من المحدثين، فلأومئ إلى بعضها في ذي التدوينة.

1.           غير خافٍ أن دراسة البختي قد انتبهت، بتوسع، إلى مسألة استعادة أو استعانة أبي الحسن اليفرني بمكتبة مهمة، إن لم نقل واسعة، من المؤلفات الكلامية الأشعرية المتأخرة بنحوٍ لا يبقي أي غشاوة على صحة افتراض رواج صيغة من الأشعرية في فترات مبكرة من تاريخ المريينين، مادام المباحث وثيقة مؤرخة لما قد يسمى بـ الأشعرية المرينية (صص. 225-27، 232-33. انظر: صص. 228-29. 2017: ج. 1، 132-35)؛ وعلى هذا يكون النظر إلى نص اليفرني من هذه الجهة، على حدتها، ذا قيمة.

2.           شمل تقييم البختي للعمل مستويين في تقديري: الأول توثيقي، تجسد في «عمل تجميعي وتنظيمي فريد» تميز به الكتاب (ص. 230)، وهو تقييم ذو صلة مباشرة بما تقدم الكلام عنه من استعانة اليفرني بمكتبة كلامية مهمة. الثاني معرفي، تمثل في طبيعة الشرح وكيفياتِه؛ إذ تميز كتاب المباحث بوضع البرهانية داخل نسقٍ من التوزيع النصي والكلامي ثم في إطار شرح معرفي ذي استفاضة، من حيث المفاهيمُ والمضامينُ (صص. 230-32).

3.           فيلولوجيا، تظهر أولى عقبات القول بأن ثمة قيمة كبيرةً للنص، معرفيا تحديدًا (ص. 232-33. 2017: ج. 1: 138-40)، في الاستعادة الموسعة نفسها لنصوص متأخري المتكلمين ومتقدميهم بهيئة جعلت أبا الحسن اليفرني يثبت الفِقر والنقول بتتالٍ يغيّب رأيَه وقوله؛ حتى ليظهر الشرح ساكنًا أو خِلوًا من رأي مؤلّف عانى صناعةَ علم الكلام، على غير عادة المتمرسين بالمعارف العقلية. وهكذا؛ أحيانا كثيرة، تبدو عبقرية اليفرني محصورة في التجميع والتصفيف فقط!. والحق أن هذا المستوى الفيلولوجي من النظر في النص يضع القارئ أمامَ مفارقة أمرين متقابلين؛ أحدهما يبدو سلبيا، وهو ما أومأنا إليه، أما ثانهما فلا يظهر كذلك، وهنا تكمن المفارقة؛ إذ إن استعادات اليفرني النصية جديرة، كما يعلم المتخصصون، بأن تكوّن لدينا صورًا من نصوص مازالت مفقودة، ينفرد، إلى الآن، كتاب المباحث بإيراد بعض النقول منها. وإلى ذلك؛ فإن عمل اليفرني من هذه الناحية يبقى مفيدا في إثبات قراءات بعض الموارد الكلامية الأشعرية المطبوعة والمخطوطة، بغض النظر عما يمكن أن يفصح عنه مستقبلاً إذا ما نفض غبار الفقد عن مصدرٍ كلامي حينا ما.

4.           فيلولوجيا وبيبليوغراميا، يدعم ما تقدَّم لنا العملُ النقدي لناشر نص كتاب البرهانية علال البختي —عامي: 2008م و2020م—؛ حيث أفاد، في جهازه النقدي للنشرة، من كتاب اليفرني مستعينا به في إثبات الفروق والاختلافات والروايات المتداولة للبرهانية (2020: صص. 124-25).

5.           بيببليوغراميّا؛ جعل اليفرني كتاب البرهانية، ذا المنحى التقليدي إن رمنا تصنيفه إجرائيا على الأقل، بإزاءِ كم من النصوص الأشعرية الشارحة، أظهرتها بلَبوس محدث. وقد يذلل لي تدعيم دراسة العلاقات النصية الممكنة بين البرهانية وشرحها، بإزاء استحضار عائلة النصوص المستعملة من قِبل اليفرني، والمنتمية إلى نفس جنس التصنيف كما وكيفًا؛ القولَ، بنوع من الوثوقية المخففة لربما، بأن ثمة إشاراتٍ ومؤشرات من شأنها أن تسلمنا إلى خلاصات وأحكام أخرى أشدَّ دقة، غير أن المقام لا يسمح بالإفصاح عن كل ذلك فليترك إل حينه.


والله ولي التوفيق

كتبه محمّد الراضي، طالب باحث.

يوم الـ 2 من شهر رمضان المبارك، 13 مارس، الدار البيضاء.

Erradimoham@gmail.com

Mohamerradi@gmail.com


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

أوراق أشعرية 3: تعليق على نشرة لمَع أبي الحسن الأشعريّ لـ أ.د حسَن الشافعي

أوراق أشعرية 4: في محاولةِ رفعِ ’’قلـقِ‘‘ عبارة حولَ كسب الأشاعرة