تعليق على مقطع فضيلة د. الشيخ سعيد فودة



تعليق على مقطع فضيلة د. الشيخ سعيد فودة

 


التعليق:

المرحوم البحَّاثة عليّ ساميّ النشار (ت. 1980م) أكاديميّ خلّف، ومازال، أثرًا كبيرا في ردهات الجامعات العربية إلى يومنَا هذا -سيما في أقسام الفلسفة والدراسات الإسلامية- تلقيا ونقدًا، وذلك تحت ما قد يُسمّى "مدرسة ذ. مصطفى عبد الرازق". نعم حبّر رسالتَه للماجستير "مناهج البحث" في سنّ الشباب (بعد بلوغه حوالي 25 سنة) وتحت وطأة نزقه؛ لكنّ النشار بقِي مؤمنًا بأطروحاتِها الجزئية كما تصرح مقدمة الـ ط. 2 للكتاب، لـ عام 1965م -وهو تاريخ متأخر بالنسبة لتاريخي مناقشتها رسالةً جامعيةً (في موسم: 1940-1941م) وتاريخِ صدورها كتابًا ومنوغرافيا  في سنة 1947م-، ولن يعدمَ القارئ وجود تطابقاتٍ جوهرية بين عمله هذا وكتابه المحوري "نشأة الفكر الفلسفي في الإسلام" (انظر مثلا: الفصل 2 و3 من الباب الأول) الذي صدر آخر تحيين لمجلده الأول، على الأقل، عام 1977م ( = صدرت أول طبعة لـ ج. 1 سنة 1954م)، بموازاة لتواريخ نشراتِ كتاب المناهج أو لتواريخ قريبة منها (المناهج: 1947م، 1965م، 1966م. النشأة ج. 1: 1954م، 1962م، 1966م، 1971-1977م [لعل أهم تحديث لكتاب النشأة هو ذاك الذي صدرَ سنة 1974م، لكنه  جزئي غير جوهريّ]).

ولا تساعد فكرة تواريخ الكتابة، أو لنقل التفريق بين الكتابات المتأخرة والمتقدمة، للنشار في القول بأنَّ موقفه من آراء تقي الدين ابن تيمية الحنبلي (ت. 728هـ) شهدت تحولا من الناحية العلمية؛ لأن النشار، في كتابيه، بقي وفيا لتوجهه المؤمن بالقيمة التاريخية والفكرية، بل الفلسفية، لمذهب الأشعرية -الذي يعتز بالانتماء إليه- في تاريخ الإسلام مع تصريحه الموازي، وفي حدود واضحة، بفكرة القيمة الكبيرة لأعمال وأفكار، أو بعض أفكار، ابن تيمية في تاريخ الفكر الإسلاميّ، وإن كان لا يخفِي ثلبَه والتنقيص منه عند مسائل، وهذا يقع من النشّار موقعًا مماثلاً لتقديره العلمي لكل الأفكار الكلامية التي عمل على تحليل أطراف كبيرة منها في النشأة رغم مخالفتها لتوجهه الشخصي، أو لقناعاتِه الخاصة والعلمية. وسبب هذا، في تقديري، أن قلم النشار، حين كتب عن ابن تيمية، وغيره، جرى مجرى موضوعيًّا من حيث إن تقديره لأعماله، كغيرها دائما، مقيدٌ بكونِ ما كتبه ابن تيمية حدثًا في تاريخ الإسلام لسنا معنيينَ، ونحن ننظر فيه من هذه الحيثية أو الجهة، بمدى سخافته وضعفه أو مدى قوتِه وعبقريته؛ ومن ثمة تصير مسألة ضعف بعض آرائه الكلامية أو المنطقية أمرًا آخر لم يكن النشار معنيا دائمًا بإدخالها في مفكرة أفكاره وعروضه وتحليلاته الكبرى والأساسية لتاريخ الفكر الإسلامي؛ لأن قصد التأريخ، عندئذٍ، يسعفه في إدخال إنتاجات قد لا نوافق على متانتها من كل وجه بالضرورة، خصوصا إن نظرنا إليها من جهةٍ مذهبية أو علمية تقويمية؛ وعلى هذا فإن ما يهم النشار، مؤرخًا للأفكار، القول بإن الفكر الإسلامي شهد ناقدًا للمنطق والكلام الأشعريّ، ورجلاً قرأ الفلسفة ونقل نصوصًا عزّ وجود معظمها بيننا؛ لذا فإننا إزاء حيثية نظر غيرِ حيثية تقويم الأفكار.

وهاهنا، وكما يعلم كل متتبع لكتابات دراسي الفكر الإسلامي خلال القرن الفائت، يقع جانب من مخالفات النشار لأستاذه البحاثة مصطفى عبد الرازق (ت. 1947م) ذي الموقف الإيجابي للغاية من أفكار ابن تيمية وما أعقبها لاحقا في أزمنة متأخرة من توجه للحركة السلفية بالحجاز، وهو موقف له أسباب يعوزها التفصيل. لكن كل هذا لم يكن ليعني، مرة أخرى، تخليا من النشار عن تأثير أطروحة أستاذه الكبرى في التأصيل لوجود فلسفة إسلامية أصيلة ممثلة في الفقه وأصوله، ومدارس علم الكلام المتناطحة -والمنتقد بعض توجهاتِها من قبل ابن تيمية-، والتصوف. 

وبين كل هذا؛ فكتابا النشَّار يختلفان من حيثُ ما يعالجانِه؛ فالأوّل -أعني المناهج- رصدٌ خُصَّ بالجانب المنهجيّ في تاريخ الفِكر الإسلامي؛ كلاما وأصولا ومنطقًا وعلومًا تجريبية. وقصد النشار بعمله الثاني تتبع "نشأة" الفكر الإسلامي في موارده الأساسية -بالنسة لمدرسته الفكرية-: الفقه وأصوله، علم الكلام، والتصوف. ولم ينتهِ غرض تحبير النشأة بالنشَّار إلى فترات لاحقة من تاريخٍ كان ابن تيمية أحدَ رجاله. 

أخيرًا أقول: إنّي، من حيث كونِي أشعريًّا، لا أجد أي متانة في افتراض تناقض بعض المحدثين من الأشعرين، لاسيما الأكاديمين منهم كالنشار والعلامة حسن الشافعي، حين تصريحهم بتبني المذهبِ الأشعري ذي القوة الفكرية في تقديرنا جميعا وتصريحهم، بموازاة هذا، بموقفٍ غير المفهوم، زعمًا، من ابن تيمية، والحال أن الأمر يحتاج تفصيلاً ولا يقع دائما موقع التحريجة التي لا مخلص منها إلا ركوب تأويلات تحتاج إلى إعادة نظر. وأيا كانَ فإنَّ سؤال قيمة عمل ما أو كاتب ما مع افتراض قبلي بأنَّ المتانة تقتضي حكمًا أو موقفًا معينًا من تيار مخالف ليس بسديدٍ كما لا يخفى.

والله وليّ التوفيق

محمد الراضي، الدارالبيضاء.

Erradimoham@gmail.com

Facebook Twitter

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

أوراق أشعرية 3: تعليق على نشرة لمَع أبي الحسن الأشعريّ لـ أ.د حسَن الشافعي

أوراق_أشعرية 5: عن المباحث العقلية في شرح معاني البرهانية

أوراق أشعرية 4: في محاولةِ رفعِ ’’قلـقِ‘‘ عبارة حولَ كسب الأشاعرة