شيءٌ عن الأشعرية في الغَرب الإسلامي

شيءٌ عن الأشعرية في الغَرب الإسلامي

(مجتزأ قصير جدًّا من تقرير بحثيّ قدِّم أمام لجنة)

بعدَ النصف الثاني من القرن العشرين بدأ بعض الدارسين التنقير في تاريخ الفِكر الأشعريّ بالغرب الإسلامي أو شمال إفريقيا المسلمة بصورة أكثر جدة؛ إذ لم يكن ثمة شكّ في كونِ التقليد الكلامِي السني المنتمي إلى أبي الحسن الأشعريّ (ت. 324 هـ/936م) —وفق إحدى تجليَاتِه اللاحقة— قد سيطر ونفذ إلى مسلمِي إفريقيا، وصار بعدَ القرنِ السادس الهجري/الثاني عشر الميلادِي رافدًا أو مورِدًا أساسيًّا من موارد التديّن في هذه الأصقاع المختلفة اللغاتِ والمتفقة على رسمِ تديّن عقدي سني ينهل من طريقة أهل النظَر الأشعرية، ويقيم أفعاله وفقَ نظريات أصول الفقه المالكيّ ومخرجاتِها الجزئية، ويسلك سبيل التزكية بناءً على أسانيد صوفية تصل إلى العالم الزّاهد أبي القاسم الجنيد (ت. 298 هـ/910م).

رسم دارسون سردية تاريخية تنحل إلى مرحلتين، دخل واستقر حسبها التقليد الأشعريّ في الغرب الإسلامي/الشمال الإفريقي؛ الأولى، هي مرحلة الظهور الأول الذي بلغَ ذروتَه فيما أطلق عليه بـ«مرحلة الاعتقاد الفردي»؛ والثانية، مرحلة الذيوع والشيوع والانتشار والتي لقبت بـ«مرحلة الترسيم». ولئن كانت الدراسات تتفق وتختلف في جزئياتِ هاتين المرحلتين بناءً على تدافع تأويلات الدارسين لعشراتِ النصوص والوثائق التاريخية والكلامية؛ فإنّ هذه السردية، إلى الآن، حافظَت على قوتِها واتساقها الذاتِي من حيث المعطياتُ، ومن ثمة كانت بعض النصوص المحققة، في السنواتِ الأخيرة، تعضد نتائج بحثية في هذا الصدد فترفع من استنتاجاتها؛ وتهوي بأخرى فتحطّ من جدواها الأكاديمية. وخير شاهِد على ذلك نصّ عقِيدة أبي بكر المرادي (ت. 489 هـ/1094م) المكتشف والمحقق حديثًا في عقدنا هذا (2012م)، وهو نصّ أبانَ عن جدوى التساؤل الذي بدأت بعض الدراسات تطرحه، منذ عقدين؛ حول علاقة دولة المرابطين بالأشعريّة والأشاعرة وصلة هذه الدولة التي نعتتْ، غير ما مرّة؛ بـ«الجمود الفكري» والركون إلى طرائق الفقهاء الصلدة والتقليدية؛ والبالغة السذاجة في الاعتقاد.

وفي سياق التأريخ للأشعرية بالغرب الإسلامي كان الدارس يوسف احنانه قد أنجز دراسة جينيالوجية ذائعة عن نشأة وتطور الفكر الأشعري بالغرب الإسلامي والشمال الإفريقي، وهي الدراسة التي اعتبرتْ عملاً بحثيا رائدًا في بابِها استطاع من خلالها احنانه أن ينحت، ببراعة، صورةَ تطورية لتاريخ الفِكر الأشعري بالغرب الإسلامي، ولو لم يكن من فضلٍ لهذه الدراسة إلا كونها محاولةً جادة بعدَ أن كانَ الحديث حول أشعرية الغرب الإسلامي عامّا يحفه الغموض من حيثياتٍ عديدة؛ لكفاها ذلك فضلا بحثيًّا. لاحقًا استطاعت دراساتٌ منجزة أن تزيد من تعميق صورتِنا حول تاريخ الأشعرية في الغرب الإسلامي وهو عمقٌ لازم توفّر بعض الدارسين على إنجاز منوغرافياتٍ أو بيوغرافياتٍ أو بيبليوغرافياتٍ شديدة الأهمية كـبعض أعمال الدارس جمال علال البختي، وأعمال الدارس خالد زَهري، وتحقيقات الدارس عبد التَّوراتي التِي قلبتْ معرفتَنا بأبي بكر ابن العربي المعَافريّ (ت. 543 هـ/1148م) رأسًا! على الأقلّ.

____

محمد الراضِي، بَاحث مستقلٌّ في تاريخ علم الكلام والفكر الإسلامي ..

بـ الدارالبيضَاء.


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

أوراق أشعرية 3: تعليق على نشرة لمَع أبي الحسن الأشعريّ لـ أ.د حسَن الشافعي

أوراق_أشعرية 5: عن المباحث العقلية في شرح معاني البرهانية

أوراق أشعرية 4: في محاولةِ رفعِ ’’قلـقِ‘‘ عبارة حولَ كسب الأشاعرة