أوراق ماتريديّة (1): تعليق حول نشرة التلخيص في الكلام الماتريديّ


#أوراق_ماتريديّة_1

تعليق حول نشرة التلخيص في الكلام الماتريديّ


من أعمال المذهب الماتريديّ المبكّرة، نسبيّا طبعًا وبالنظر لتاريخ المذهب بمعزل عن وشائجه المعرفية، كتاب التلخيص (=تلخيص الأدلة لقواعد التوحيد) لكاتبه الإمام أبي إسحاق الصفّار البخاري (ت. بُخارى 534 هج/1139م)، أحد الكتب المهمل التوفر عليها حديثًا وتأطيرها علميّا داخل سيرورة تطور المذهب الماتريديّ في المشرق الإسلاميّ وآسيا الوسطى فيما بعدَ القرن الخامس الهجري/الحادي عشر الميلاديّ. للكتاب نشرتان، عدا نشرة المكتبة الأزهرية للتراث (ط. 2011م: دراسة وتح. عبد الله محمد عبد الله إسماعيل)؛ الأولى، عن دار السلام (2010م) في مجلّدة تخلو من فهارس فنيّة، مع دراسة مطوّلة على عادة نشرات العرَب في التصدير والوسومِ!، من تح. هشام محمود. والثانية، عن المعهد الألمانيّ للأبحاث الشرقيّة ببيروت OIB (ضمن: Bibliotheca islamica; 49 ط. مؤسسّة الريان، 2011م) في مجلدين بفهارس فنية، منْ تح. وتقديمٍ عربيّ وألمانيّ لـ: أنجيليكا برودرسن (Angelika Brodersen).

لقد أجهدت نفسي للحصول على النشرة الثانية بعد أن وقفت على الأولى، مذْ سنوات لا أذكر تحديدًا متى، فبدت لي، بعدُ، مجموعةٌ من الفروق الواضحة بينهما؛ بعضها يخص فلسفة النشر النقديّ للنصوص، إن جازت العبارة، ولا حديث لي هنا عن هذا، وبعضها يتوجه نحو طبيعة الفروق بين النسخ الخطية المعتمدة في النشرتيْن. وأيا كان فإن أهم فارقٍ يمكن التنبيه عليه فيما يخص الوجه الثاني من الفروق الممكن رصدها هو اعتماد نشرة الدارسة برودرسن على نسخة خطيّة "خاصّة" (=مكتبة تركية خاصة) تحوي فروقا شديدة التميز والانفراد عن النسخ الثلاث الأخرى المعتمدة من قِبلها (المثبت اعتمادًا نسخةُ المتحف البريطانيّ) والنسختين المعتمدتين في نشرة الدارس محمود، ورمز لها من قِبل الدَّارسة بـ«ج». وتبلغ درجات الاختلاف بين هذه النسخة الخاصة وغيرها حدّ الزيادات المطولة والمفصّلة (انظر مثلا: ج. 2، ص. 674، 675) هذا دون الحديث عن أجناس أخرى من الاختلافات المربكة فيلولوجيا!، الأمر الذي يوحي بسبب اجتناب دخول الدارسة، على الأقل عند نشر النصّ وفي التصدير التقنيّ له، في متاهات أسئلة تاريخ النصّ الصعبة للغايّة بالنظر لعدة معطيات خارجيّة، مكتفية، فيما يظهر للقارئ، باعتبار فروق «ج» المهمة والمترامية والمتفاوتة نصًّا موازيا مثبتًا في مقابل النصوص الأخرى. إن من ميزة هذه النشرة إثبات فروق هذه النسخة الفريدة التي يرجح وقوف الدارسة عليها قبل سنوات من نشر النصّ وإتاحته للقارئ بناء على قراءاتِها النقدية للعمل وتوفرها القبليّ. ولئن وضعنا كل الفروق الأخرى بين نشرتي 2011م هذه ونشرةِ محمود فإن هذا الفارق، مجرّدا عن الفروق الأخرى، يجعل لنشرة 2011م أهمية بالغة. وفي كل الأحوال يبقى استحضار النشرتين مهمًّا لاعتمادهما، على الأقل، على نسخ خطية مختلفة من حيث توزيع مكان وجودها، صحيح أن إخراج برودرسن استند على ثلاث مخطوطات متقدمة، زمانا، بالنسبة لمخطوطتي الأزهرية المعتمدتين في نشرة محمود إلا أن الحكم بأفضلية هذه الجهة مرهون بالفحص والتبيّن العميقين أو الظاهرين؛ لأنّ تقدّم الاستنساخ لا يعني بالضرورة مرجوحية المتأخر لأسباب تعرض تارة هنا ولا تعرض لنسخٍ خطية هناك.

 

أتاح المعهد الألمانيّ النشرة مجَّانًا هنا: (ج. 1، ج. 2)

والله ولي التوفيق.


محمد الراضي، 

باحث. (Erradimoham@gmail.com). 

الدارالبيضاء، المغرب.


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

أوراق أشعرية 3: تعليق على نشرة لمَع أبي الحسن الأشعريّ لـ أ.د حسَن الشافعي

أوراق_أشعرية 5: عن المباحث العقلية في شرح معاني البرهانية

أوراق أشعرية 4: في محاولةِ رفعِ ’’قلـقِ‘‘ عبارة حولَ كسب الأشاعرة