أوراق أشعرية 2: من عناية آباء الكنيسة بتراث الأشاعرة - نظرة في نشرة أبكار الآمديّ

..

صفحات من عناية آباء الكنيسة بتراث الأشاعرة

نظرة في النشرة الجزئية الأولى لأبكار الأفكار للسيف الآمدي

كان لـ الأب أَنَسْتَاس ماري الكرملي، بطرس جبرائيل يوسف عواد، Anastase Marie de Saint-Élie (ت. 1947م. سيرته في: كوركيس عوَّاد، الأب أنستاس ماري الكرملي - حياته ومؤلفاته، صص. 7-8) سبق نشرِ مجتَزإ صَغير من الموسُوعَة الكلاميّة أبكار الأفكار في علم الكلام لفيلسوف الأشعرية سيف الدِّين والملَّة الإمام أبي الحسن عليّ الآمدي (ت. 631 هـ/1233م)، وذلك في إحدى مقالاته المتتالية عن «الصابئَة أو المندائية» في المجلة المعروفة المشرق (سنوات: 1900م: ع. 11، 15، 17. 1901م: ع. 9، 12، 15، 17، 20، 24. 1902م: ع. 7، 9، 11. انظر: عوَّاد، صص. 68-73)، وتحديدًا ضمن مقال العدد 9 (مايو 1901): صص. 400-06، وذلك قبل أن ترفع حجُب المواراة عن العملِ ليطبع عام: 2002م أي بعد قرابة مائة سنة أو قرن من الزمان!.

لقد قد انتبه الشيخ الدكتور حسن الشافعيّ لهذه النشرة الجزئيّة في كتابِه المتداول الآمدي وآراؤه الكلامية مفترضًا، لقرائن، أن أصلها المخطوط المعتمد من قِبل ناشرها الأب أنستاس هو مصورة نسخة بيروتية ورد ذكرها في دائرة المعارف الإسلامية (ص. 87). ولئن عين الدارس أحمد المهدي موضِعَ نشرة الأبّ الجزئية كذلك في تحقيقه الكامل للكتاب في الصفحات التي تغطي مجموع ج. 2، ص. 264 - ج 2، ص. 268؛ فإنّه، في المقابل، ما حدد النسخة الخطية التي اعتمدها الأب ولا انشغل بالأمر. وتوحِي، للوهلة الأولى، بعض المقارنات بما يفيد اعتماده على نسخة مخ. دار الكتب المصرية (ر. 1603)؛ إلاّ أن الأمر لا يبدو صائبًا تمامًا اللهم إن كان ثمة تصرف في النص من قِبل الأب بسبب ما يفترض أن يكون اجتهادًا قرائيا وفيلولوجيًّا مقتضَى؛ حيث تجعلك مواضع من النص المثبت في المشرق تستنتج أنّ الأب كانَ بين يدي أكثر من نسخةٍ واحدة من الأبكار دون شك، ويدل على ذلك عباراتٌ مذيلة له من قبيل: «في نسخة»، «في نسخة آخرة» ليبقَى قوله في أحد التذييلاتِ: «كذَا في النسخة التي [بين] يدي» مشكلاً بموازاة عباراته المذكورة.

وأيا كانَ؛ فما يميّز مجتزأ الأب الكرملي هو تعليقَاتُه الأربعة ذات المسحة النقدية والتاريخيَّة بحكم تخصصه ونشأتِه، منها: 1) اقتراحه إبدال عبارة «عادميون» كما في نص الآمدي بـ«اغاثاديمون» و«ديمون» أو «ديمانا»، وفقَ التسميَّة الصابئية التاريخيّة والمعاصِرة في العِراق بلدِ الأب؛ 2) واقتراحه أصحيّة «الحرَّانية» بدل «الحلولية» الواردة في نص الأبكَار، والمرسومة، نحو غيرها من العبارات، بشكلٍ غير صحيح، بحسبه، في كتابِ الملل والنّحل للعلامة أبي الفتح الشهرستاني (ت. 548هـ/1153م) (انظر: هـ. 2 ص. 401، هـ. 1 ص. 403، ص. 405)؛ 3) تخطيئه الآمدي في نقلٍ عقديّ تاريخيّ وجزئي عن الصابئة دون تعليل (هـ. 2، ص. 403) رغم اعتباره معطياته، في عمومها وأغلب تفاصيلها إن لم نقل كلها!، الأصح بالنسبة إلى تلك التي أثبتها العلامة عبد الرحمن ابن خلدون (ت. 808هـ/1406م) «لأنها تنطبق على حقائق راهنة ومذاهب ذكرها أغلب المؤرخين والعلماء» (ص. 404). وبين هذَا وذاك دوننا احتفاء الأبِ بقيمةِ كتاب الآمديّ الأبكار «عزيز الوجود»، بالنسبة إلى زمان خطّه المقالة، عادًّا ما فيه موردًا دقيقًا لمقالات الصابئة: «ولهذَا أُورِدُ كلامَه [=الآمدي] هنا بتمامه أولا إثباتا لدرر كلامه ومعرفة مقاله وثانيا إقرارا بفضله وعلو مكان كماله» (ص. 400).

طالع المقالة هنَا.

____

وكتبَه محمد الراضي، طالب باحث في تاريخ علم الكلام.

الدار البيضاء، المغرب.

Erradimoham@gmail.com - Mohamerradi@gmail.com


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

أوراق أشعرية 3: تعليق على نشرة لمَع أبي الحسن الأشعريّ لـ أ.د حسَن الشافعي

أوراق_أشعرية 5: عن المباحث العقلية في شرح معاني البرهانية

أوراق أشعرية 4: في محاولةِ رفعِ ’’قلـقِ‘‘ عبارة حولَ كسب الأشاعرة