في الاشتراك المعنوي لـ الوجود عنْد المعتزلة - ملاحظات

 

في الاشتراك المعنوي لـ الوجود عنْد المعتزلة - ملاحظات

من المشاكل الفلسفية المثيرة والماتعة تلك التِي تناقش طبيعة الوجودِ وأحكامه العامة من أسئلة مباحث الأنطولوجيَا (راجع ما هنا أو ما هنا)، والتِي تسللت إلى نقاشات المتكلمينَ من الفلسفة أو الفلسفية السينوية، وكان لهم حظ في تطويرها (راجع ما هنا). وقد اتفق لي، وأنا بصدَد مطالعات، الوقوفُ على نص ينمّ عن مسألة نسبة مفهوم الوجود إلى أجناس الموجوداتأل في بعض نصوص متأخري البصريين من المعتزلة ممن لم يشتبكوا بالمسألة رأسًا. أنقل هنا شيئًا من ملاحظاتِي المحبّرة:

«فلا يخلو الإدراك من أن يتعلق بوجود ما ندركه. أو يكون متعلقًا بالصفة التي لأجلها يخالف غيرَه. ولا يجوز أن يكون الإدراك متعلقًا بالوجود. لأجل أنه كان يجب أن يشيع في كل موجود. وهذا يقتضي أن تكون الموجودات، كلها مدركة بالحواس، وذلك لا يجوز. ويجب أن يكون السواد مدركًا على مثل الصفة التِي يدرك عليها البياض، لأن صفة الوجود واحدة. وهذا يوجب أن يلتبس السواد بالبياض على المدرك، وذلك محال» (الترقيم في الاصل!).

إن النص يفيدنَا في استخلاص ملاحظات منها:

-    الوجود «صفة واحدة» في الأشياء؛ فمن ثمة هو يكون مشتركًا معنويّا؛

-    الوجود يقع مغايرًا وزائدا على ماهيات الأشياء  التي اشتركت فيه وإلا لما سلم القول بوحدة معقوليته؛

-    لا تفيد الفقرة شيئًا بخصوص وجود واجب الوجود، بالمعبر عنه بوجود القديم؛ لكن يظهر من مواطن أخرى من الكتاب أن الاشتراك المعنوي في الوجود يشمل وجود الله ووجود الممكنَات على خلاف ما ذهب إليه أبو الحسين البصري (ت. 436هـ/1044م) من متأخري البصريينَ؛

-    يلزم تقييد الملاحظات حول علاقة الوجود بـ الإدراك الحسيّ؛ إذ في الفقرة طيّ لمسلمَات غير مصرحٍ بها، ذلك أننا إذا عللنا صحة إدراك المحسوسات الموجودة بوجودِهَا فينبغي استحضار أن لكل محسوسٍ موجودٍ اعتباراتٍ أخرى، تسمى شروطًا عند المعتزلة، تصاحب علة صحة إدراك الموجود أو تكون أجزاءَ علةِ صحة الإدراك أو بمثابة معدات العلة —كما بُيِّن في موضعه من كتب المعتزلة—.

والله أعلم ..


محمد الراضي ..


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

في نظرية الجوهر عند المتكلمينَ – عن ابن رشد ومحدثي الدارسين

مراجعة فقرة من كتاب التسديد في شرح التمهيد